الفسفاط التونسي

في الحوض المنجمي : ثروة الفسفاط : نعمة أم نقمة ؟ (إنتاج صحفي)

2015.12.11 مثلت ثروة الفسفاط بالحوض المنجمي بقفصة دعامة مهمة للاقتصاد الوطني على امتداد عقود، كما ساهمت في تعزيز فرص التشغيل لأهالي المنطقة. إلا أن هذا الدور بات محل تساؤلات ملحة خاصة بعد الثورة في ظل غياب مؤشرات تنموية حقيقية بالجهة.
قطب اقتصادي مشع

من المهم التذكير بأن اكتشاف الفسفاط والانطلاق في استغلاله منذ أكثر من مائة وعشرين سنة ساهم في تدعيم الاقتصاد الوطني وبروز تونس كأحد أهم البلدان المنتجة والمصدرة لهذه الثروة الطبيعية.

كما مكن أهالي منطقة الحوض المنجمي خصوصا من فرص متميزة لتشغيل أبنائهم، ناهيك عن تدخل شركة الفسفاط لتوفر لمنظوريها عددا مهما من الخدمات الاجتماعية والصحية والترفيهية ( ماء، كهرباء، صحة، ترفيه، ...).

وبالتوازي مع ذلك، كان إشعاع "ثروة الفسفاط" ذا بعد وطني ومغاربي، إذ استقطبت المناجم السواعد العاملة من عديد جهات البلاد ومختلف البلدان المغاربية ( ليبيا، الجزائر،المغرب) مازالت أسماء أحيائهم حاضرة في ذاكرة ابناء المناجم.

المنعرج .. إلى الفساد

رغم ما مثلته منطقة الحوض المنجمي تاريخيا لدى أبنائها من مكمن للثروة وعديد الامتيازات غير المتاحة في مناطق أخرى، فإن أسئلة حارقة كانت ومازالت متداولة حول حقيقة استفادة الجهة من "نعمة "الفسفاط.

هذه الأسئلة التي أصبحت ماثلة لدى الجميع فجرها هدير الغضب في انتفاضة 2008 بالمناطق المنجمية التي كان منطلقها الكشف عن فساد في الانتدابات رعته أطراف اجتماعية خدمة لمصالحها الذاتية.

فكان أن انطلق حراك اجتماعي كبير كشف المستور من ظروف عيش قاسية لأهالي الحوض المنجمي  ورفع عديد الشعارات الاجتماعية المطالبة بتنمية حقيقية للمنطقة ومقاومة التلوث والأمراض المنتشرة والتعويضات عن عديد الأضرار التي لحقت بالإنسان والنبات والحيوان.

هذه الحقائق يعبر عنها بعض أهالي الجهة محمد الهادي نصيب وعبد الرؤوف الميساوي.



عبد الرؤوف الميساوي يجيب من جانبه عن السؤال حول مفارقة الفسفاط بين النعمة والنقمة، في هذا التسجيل.


بعد الثورة : حالة إرباك ... إلى أين ؟

مسكنات عديدة قدمتها السلطة لأهالي الحوض المنجمي لإخماد أحداث2008  بالتوازي مع المواجهة الأمنية للاحتجاجات الاجتماعية، إلا أن ذلك لم يكن كفيلا بتوقف موجة الاضطرابات بهذه الربوع بعد الثورة.

فقد عرفت المنطقة أعتى التحركات الاجتماعية والاعتصامات المطالبة بالتشغيل ونصيب الجهة من عائدات الفسفاط وذلك على امتداد السنوات الاخيرة، وهو ما أثر كثيرا على نشاط الشركة وانتهى إلى توقفه تماما أكثر من شهر ونصف في أواسط السنة الجارية.

وقد تراجع إنتاج الشركة بشكل لافت بالمقارنة مع الرقم المسجل خلال سنة 2010 التي تعتبر سنة مرجعية، إذ بلغ حجم الانتاج خلالها 2.8 مليون طن، فيما أنتجت 11 مليون طن فقط خلال السنوات الأربع الأخيرة مجتمعة (2011 – 2014 ).

في هذا السياق، يقول محمد الصغير ميراوي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بقفصة  إن الاتحاد يعتبر شركة الفسفاط مكسبا اقتصاديا للجهة وقد كانت ولازالت حسب رأيه المصدر الوحيد للتشغيل ويعول عليها الشباب العاطل بالجهة في توفير فرص عمل وهي التي وفرت فعليا آلاف مواطن الشغل خاصة في السنوات الأخيرة.


وينتقد السيد الميراوي في هذا الصدد الحكومات المتعاقبة التي لم تبعث بالجهة مشاريع تنموية ذات بال تمتص البطالة وتخفف من الضغط على شركة الفسفاط التي كثيرا ما ترافقت مطالب التشغيل بها بتعطيل أنشطتها الإنتاجية.

وفي هذا الصدد، أكد محدثنا أن الاتحاد كان حريصا على الدوام على عدم تعطيل عمل الشركة التي توفر مداخيلها حسب تصريحه ثلث ميزانية الدولة. وانتقد الميراوي سلوك الكثير من المسؤولين إزاء شركة الفسفاط، معتبرا أن عددا مهما منهم اختار موقع المتفرج في متابعة الصعوبات والأزمات التي تمر بها الشركة ولم تسجل لهم مبادرات جدية تمكن الشركة من مواصلة عملها وإنتاجها في ظروف عادية.


وصفــة الإنقــاذ

في الوقت الذي أصبحت فيه شركة الفسفاط على حافة الإنهيار، تم تقديم عديد الوصفات لإنقاذها بعد فقدانها مكانتها في السوق العالمية واتجاه منافسنا المباشر المغرب إلى احتلال مواقع متقدمة في إنتاج الفسفاط وتسويقه.


إلا أن هاجس التشغيل بقي هو المسيطر في ظل عقلية منجمية بامتياز لا ترى إمكانية للعمل خارج "الكبانية"، ومع ذلك مازالت عديد الأطراف المجتمعية تراهن على التمييز الايجابي للجهات من أجل تنمية شاملة للمنطقة تتجاوز الاقتصاد الأحادي القاعدة وتفتح آفاقا جديدة  في العيش الكريم لأبناء الجهة.

السيدان قيس ماجري مدير عام المصالح المشتركة بوزارة الصناعة وعدنان الحاجي نائب عن ولاية قفصة يتحدثان على التوالي في الموضوع.


"موضوع التنمية الجهوية لمناطق الثروات الطبيعية يتطلب مبادرة تشريعية تضبط الصيغ الخاصة بالتميز الإيجابي سواء من خلال صنادية تمويل أو تخصيص ميزانيات للغرض. وللإشارة فإن الوزارة لها مسؤولية مجتمعية في هذا الصدد، إذ تحفز المؤسسات المعنية على توفير مزيد من مواطن الشغل الضرورية والمساعدة على دفع التنمية الجهوية إضافة إلى التدخلات البيئية و الاجتماعية."

ويقول السيد قيس الماجري إنه "إلى الآن لم يقدم أي طرف مبادرة تشريعية لتفعيل التمييز الإيجابي للجهات، وأعتقد أن الأمر يتعلق بمعركة كبيرة في هذا الشأن. وأخشى أن يكون التمييز الإيجابي شعارا فقط. ولا أخفي أن اختلاف نواب الجهة في توجهاتهم يعرقل الإتجاه نحو مثل هذا المشروع المحكوم بتجاذبات عديدة".

ويبقى النموذج المغربي مرجعا لعديد المتابعين لملف الموارد الطبيعية في مجال تمتع الأهالي بثروات مناطقهم . فالمغرب الذي ترصد عثرات الفسفاط التونسي ليطور من نسق إنتاج الفسفاط وتسويقه يوفر لعاصمة مناجمه "الخريبكة" مستوى عال من رفاه العيش مازال بعيد المنال عن ولاية قفصة وحوضها المنجمي.

مدينة قفصة .. مدينة المناجم في تونس
http://www.photosnack.com/F9CBBE7D75E/pt9sv0si7.html

مدينة الخريبقة .. مدينة المناجم في المغرب
https://www.thinglink.com/scene/731238678017343489
http://www.photosnack.com/F9CBBE7D75E/ptujymjuw.html

فرقة أولاد المناجم تغني لداموس الفسفاط




(الفريق الصحفي : خالصة الحمروني/جريدة الصحافة - مبروكة عزوز/إذاعة نفزاوة - جليلة الصخري/الوطنية 2 - عبد الرؤوف الميساوي/إذاعة صوت المناجم - خيرة ذويب/إذاعة قفصة - عادل العكرمي/مكتب الشروق بقفصة)